Main

Friday Sermon | خطبہ جمعہ | July 13, 2018

Friday sermon delivered by the Head of the Ahmadiyya Muslim Community, Hazrat Mirza Masroor Ahmad (may Allah be his Helper), from Baitul Futuh Mosque, London. Recorded on 13th July 2018

mtaOnline1

5 years ago

الصحابة سأتناول اليوم بالذكر صحابيين أحدهما حضرة أبي أسيد مالك بن ربيعة الساعدي. سيدنا مالك بن ربيعة مشهور بكنيته أبي أسيد، وبعضهم ذكر أن اسمه هلال بن ربيعة أيضا. كان ينتمي إلى بني ساعدة من قبيلة الخزرج. كان سيدنا أبو أسيد مالك بن ربيعة قصير القامة، وكان شعر لحيته ورأسه قد ابيَض، وكان شعره كثا، وكان قد فقد بصره في الشيخوخة. توفي في عهد حضرة معاوية في عام 60 الهجري عن عمر يناهز 75 عاما، وكان آخر الصحابة الأنصار من البدريين وفاًة، فقد شارك النبَي صلى الله عليه وسلم في معركة بدر وأحد والخندق
وسائر الغزوات بعدها. عند فتح مكة كانت معه راية بني ساعدة. عن سهل بن سعد أن أبا أسيد الساعدي دعا النبَي صلى الله عليه وسلم في مناسبة زواجه، وفي ذلك اليوم خدمت زوجُته النبَي صلى الله عليه وسلم وكانت عروسا، إذ كان الزواج يتم بمنتهى البساطة، فكانت العروس تحِضر الطعام وتقدمه أيضا. ثم يحكي حضرة سهل بن سعد بأسلوبه فيقول هل تعرفون ماذا سَقوا النبي صلى الله عليه وسلم؟ ثم يجيب بنفسه فيقول كانوا قد نبذوا التمر ليلا في إناء وعندما فرغ صلى الله عليه وسلم من الطعام قدموا له شراب ذلك التمر. ذات مرة جاء
بعض الأسرى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فرأى فيهم امرأة تبكي، فسألها صلى الله عليه وسلم : لماذا تبكين؟ فقالت: إنه قد فصل ابني عني ببيعه عند بني عبيس فطلب مالَك الأسير، فلما جاء كان أبا أسيد الساعدي. فسأله صلى الله عليه وسلم هل فصلَت عنها ابنها وأبعدته عنها؟ فقال: كان معاقا، وكانت لا تطيق حمله، لذا قد بعته عند بني عبيس. فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن ُيحضره بنفسه، فجاء به أبو أسيد وأعاده إلى أمه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم سواء قدرْت على حمله أم لم ُتطق، يجب أن لا ُتَضاَر الأم بولدها
، سواء كانت أسيرة أم أمة. ذات مرة أجرى النبُي صلى الله عليه وسلم سباًقا للخيل والجمال، فسبقت ناقته صلى الله عليه وسلم التي كان يركبها سيدنا بلال رضي الله عنه، وكذلك كان أبو أسيد السعدي يركب حصانه صلى الله عليه وسلم في سباق الخيل، فسبق جميع الخيول. َعْن َسْهٍل َقاَل ُأِتَي ِباْلُمْنِذِر ْبِن َأِبي ُأَسْيٍد ِإَلى الَنِبِي َصَلى الَلُه َعَلْيِه َوَسَلَم ِحيَن ُوِلَد َفَوَضَعُه َعَلى َفِخِذِه َوَأُبو ُأَسْيٍد َجاِلٌس َفَلَها الَنِبُي َصَلى الَلُه َعَلْيِه َوَسَلَم ِبَشْيٍء َبْيَن َيَدْيِه َفَأ
َمَر َأُبو ُأَسْيٍد ِباْبِنِه َفاْحُتِمَل ِمْن َفِخِذ الَنِبِي َصَلى الَلُه َعَلْيِه َوَسَلَم َفاْسَتَفاَق الَنِبُي َصَلى الَلُه َعَلْيِه َوَسَلَم َفَقاَل: َأْيَن الَصِبُي؟ َفَقاَل َأُبو ُأَسْيٍد َقَلْبَناُه َيا َرُسوَل الَلِه َقاَل َما اْسُمُه َقاَل ُفَلاٌن َقاَل َوَلِكْن َأْسِمِه اْلُمْنِذَر َفَسَماُه َيْوَمِئٍذ اْلُمْنِذَر. ولقد بَين الشارحون تسمية النبي لذلك الولد بالمنذر أن اسم ابن عِم سيدنا أبي أسيد كان منذر بن عمرو وكان قد اسُتشهد في حادثة بئر معونة، فسمي بهذا الاسم تفاؤلا، لكي يكون
خير خلف. َعْن ُسَلْيَماَن بن َيَساٍر، َأَن َأَبا ُأَسْيٍد الَساِعِدَي، ُأِصيَب َبَصُرُه َقْبَل شهادة ُعْثَماَن رضي الله عنه أي صار كفيف البصر، َفَقاَل اْلَحْمُد ِلَلِه اَلِذي َمَتَعِني ِبَبَصِري ِفي َحَياِة الَنِبِي َصَلى الَلُه َعَلْيِه َوَسَلَم فرأيت البركات كلها، َفَلَما َأَراَد الَلُه اْلِفْتَنَة ِفي ِعَباِدِه َكَف َبَصِري َعْنَها لئلا أرى تلك الأوضاع السيئة. عن عثمان بن عبيد الله مولى سيدنا سعد بن أبي وقاص قال: رأيت ابن عمر وأبا هريرة وأبا قتادة وأبا أسيد الساعدي رضي الله عنهم يمرون
علينا ونحن في الكتاب فنجد منهم ريح العبير وهو الخلوق. كان مروان بن الحكم يستعمل أبا أسيد الساعدي على الصدقة، أي جمعها وتوزيعها، وكان إذا قدم أناخ على بابه فدفع إليه المال كله، حتى آخر ما يدفع إليه السوط فيقول: هو من مالكم قال: فقدم مرة فدفع إليه كل شيء فرجع إلى منزله فنام فإذا حية تأخذ بعنقه فاستيقظ، فقال: يا فلانة هل بقي شيء؟ قالت: لا، قال: فما شأن حية تأخذ بعنقي؟ انظري، فقالت: بلى، قد بقي عقال موكى به جراب، قال: فرَده إليهم. كان الله تعالى يريد أن تظهر من الصحابة الكرام رضي الله عنهم
أسمى معايير الأمانة برفعهم إلى أدق سبل التقوى، ولذلك كانوا يتلقون التوجيه في الرؤى. عن ُعَماَرة بن َغِزَيَة، َعْن َأِبيِه َأَنُه َحَدَث َأَن ِفْتَيًة َسَأُلوا َأَبا ُأَسْيٍد َعْن َتْخِييِر َرُسوِل الَلِه َصَلى الَلُه َعَلْيِه َوَسَلَم الَأْنَصاَر، َقاَل: َسِمْعُت َرُسوَل الَلِه َصَلى الَلُه َعَلْيِه َوَسَلَم، َيُقوُل:"َخْيُر َقَباِئِل الَأْنَصاِر ُدوُر بني الَنَجاِر، ُثَم بني َعْبِد الَأْشَهِل، ُثَم بني اْلَحاِرِث بن اْلَخْزَرِج، ُثَم بني َساِعَدَة، َوِفي ُكِل الَأْنَصاِر َخْيٌر" َقاَل َأُب
و ُأَسْيٍد: َلْو ُكْنُت َقاِئلا َغْيَر اْلَحِق َلَبَدْأُت ِبَجِدي. لقد ذكر سيدنا المصلح الموعود رضي الله عنه مستندا إلى كتب التاريخ أنه حين ُفتحت بلاد العرب وأخذ الإسلام في الانتشار جاء شاب اسمه لقمان إلى النبي ممثلا قبيلته ِكندة، وكانت معه أخته واسمها أسماء أو أميمة ولقُبها الجونية أو بنت الجْون. فأبدى الشاب رغبته عند النبي صلى الله عليه وسلم في أن يتزوج من أخته الأرملة، وهي على قسط كبير من الجمال والكفاءة. ولما كان من أهداف النبي صلى الله عليه وسلم توحيد القبائل العربية َقِبل طلبه هذا وأ
علن قرانه عليها بمهر قدره اثنتا عشرة أوقية من الفضة. فقال الشاب للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، نحن من ِعلية القوم، وهذا المهر قليل. فقال النبي: لم ُتمَهر أٌي من زوجاتي أو بناتي بأكثر من ذلك. فَقِبل الشاب، وتم عقد القران، وطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يرسل أحدا ليأتي بزوجته. فبعث النبي أبا ُأسْيد فذهب، ودعْته الجونية في بيتها، فقال: لقد نزل الحجاب على أزواج النبي. فسألْته عن أمور أخرى فذكرها لها. ثم أركبها بعيرا وجاء بها إلى المدينة. فَأنزلها في بيت حوله أشجار نخل، وكان أهلها
أرسلوا معها خادمة لها أيضا حتى لا تواجه أي مشكلة. في بلادنا أيضا يبعثون إحدى الخادمات مع العروس وكذلك كان الأغنياء يرسلون في ذلك الزمن (وهذه العادة قد اختفت الآن لكنها كانت سائدة في الزمن القديم). ولما كانت هذه المرأة أي التي اقترن بها النبُي صلى الله عليه وسلم شهيرة بجمالها، وبالنساء فضول لزيارة العروس، (فمن الملاحظ أن نساء الحارة والجيران يتشوقن لرؤية عروس جديدة) فتوجهْت نسوة من المدينة لرؤيتها. وبحسب قول هذه العروس قالت لها إحدى النسوة: يجب أن تشتدي على زوجك، فإذا جاءك رسول الله فقول
ي له: أعوذ بالله منك، فيحبك أكثر. وإن لم يكن هذا القول من اختراع نفسها فلا غرابة في أن يكون أحد المنافقين قد أثار هذه الفتنة عن طريق زوجته أو قريبته. باختصار لما علم النبي صلى الله عليه وسلم بوصولها جاءها في خباء ُضرب لها. يقول راوي الحديث: فلما دخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم قال: ِهبي نفسك لي. فقالت: وهل تهب الملكة نفسها للسوقة؟ يقول أبو أسيد إنه صلى الله عليه وسلم أهوى بيده عليها لتسُكن، (ظنا منه بأنها ربما تضطرب بدافع الأجنبية، فنطقت فورا جملة كريهة جدا وغير عقلانية): أعوذ بالله منك
يقول المصلح الموعود رضي الله عنه: حين يسمع نبٌي اسَم الله تعالى يمتلئ أَدًبا وُيفدي بنفسه عظمَته تعالى لذا قال النبي صلى الله عليه وسلم فورا على ما قالت: لقد ُعذِت بعظيم، أو قد ُعذِت بمعاذ، لذا أقبُل طلبِك. ثم خرج النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا أبا ُأسْيد، اْكُسها راِزِقّيتين، وَأْلِحْقها بأهلها. أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإعطائها رازقيَتين مّنًة منه إضافة إلى مهرها عملا بقول القرآن الكريم: { َوَلا َتْنَسُوا اْلَفْضَل َبْيَنُكْم} (البقرة: 238) فهذا الحكم فيما يتعلق بالمرأة التي لم
يمّسها زوجها. فأخذها أبو أسيد إلى أهلها. فشق ذلك على قبيلتها ولاموها كثيرا، فردت عليهم قائلة: هذا من شقاوتي، وقالت أيضا في بعض الأحيان: هناك من غّرر بي وقال لي: ِإْن َأَرْدِت َأْن َتْحَظْي ِعْنَدُه َفَتَعَوِذي ِبالَلِه ِمْنُه ِإَذا َدَخَل َعَلْيِك. وسواء كان هذا هو السبب أم كان ثمة سبب آخر فإنها أظهرت النفور فتـركها النبي صلى الله عليه وسلم وسَرحها. فالذين يتهمون النبي صلى الله عليه وسلم بأنه مزواج ومولع بالنساء الجميلات -والعياذ بالله- هذا الحادث وحده يكفيهم ردا. كان سيدنا أبو أسيد يقول:
كلما ُسئل النبي صلى الله عليه وسلم شيئا لم ُينكر قط. والصحابي الثاني هو عبد الله بن عبد الأسد رضي الله عنه، اسمه عبد الله وكنيته أبو سلمة، وأمه برة بنت عبد المطلب وكان ابَن عمة النبي صلى الله عليه وسلم وأخا حمزة رضي الله عنه من الرضاعة، وكان رضع من ُثَويبة مولاة َأِبي لهب، وكانت أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها أّوًلا في عقده. كتب مرزا بشير أحمد رضي الله عنه عنه في كتابه "سيرة خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم": كان أبو سلمة بن عبد الأسد أخا النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاعة وكان من بني م
خزوم، وبعد وفاته تزّوج النبي صلى الله عليه وسلم من أرملته أم سلمة، وكان عبد الله بن عبد الأسد من المسلمين الأوائل وبحسب قول ابن إسحاق أسلم أبو سلمة بعد عشرة أنفس، وجاء في رواية: انطلق أبو عبيدة بن الحارث وأبو سلمة بن عبد الأسد والأرقم بن أبي الأرقم وعثمان بن مظعون َحَتى أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرض َعَلْيِهم الإسلام وقرأ عليهم القرآن، فأسلموا وشهدوا َأَنُه َعَلى هدى ونور. اشترك عبد الله بن عبد الأسد مع زوجته أم سلمة في الهجرة الأولى إلى الحبشة، وبعد عودته من الحبشة هاجر إلى المد
ينة. ورد ذكر هجرته إلى الحبشة في "سيرة خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم" أنه حين بلغ تعُرض المسلمين للأذى منتهاه وازدادت قريش إيذاًء قال النبي صلى الله عليه وسلم للمسلمين بأن يهاجروا إلى الحبشة، وقال: إن ملك الحبشة عادل ومنصف ولا ُيظلم أحٌد بأرضه، والحبشة التي ُتسمى بالإنكليزية "إثيوبيا" أو "ايِبـي سينيا" تقع في شمال شرق أفريقيا، وهي تقابل جنوب الجزيرة العربية ولا يحول بينهما سوى البحر الأحمر، وكانت فيها حكومة قوية للمسيحين في ذلك الزمن وكان ملكها ُيلّقب بالنجاشي بل إلى الآن ُيدعى حاكمها ب
هذا اللقب، كان للعرب علاقات تجارية مع الحبشة، وكتب مرزا بشير أحمد رضي الله عنه: في تلك الأيام التي نذكرها كانت أكسوم عاصمة للحبشة، وهي تقرب من مدينة "عدوة" حاليا، وعامرٌة إلى الآن كونها مدينة مقدسة. كانت أكسوم مركزا لـَمْملكة قوية في تلك الأيام، وكان اسم النجاشي في ذلك الزمن أصحمة الذي كان ملكا عادلا ويِقظا وقويا، وحين بلغ تأِذي المسلمين منتهاه قال النبي صلى الله عليه وسلم: ليهاجر من استطاع إلى الحبشة فهاجر أحد عشر رجلا وأربع نساء إلى الحبشة في العام الخامس من البعثة، ومن أسماء هؤلاء المه
اجرين المعروفة عثمان بن عفان وزوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام وأبو حذيفة بن عتبة وعثمان بن مظعون ومصعب بن عمير وأبو سلمة بن عبد الأسد وزوجته أم سلمة رضي الله عنهم. من الغريب أن معظم المهاجرين الأوائل كانوا من القبائل القوية والضعفاء بينهم قليلون، مما يتبين أمران: الأول أّن المسلمين الذين كانوا من القبائل القوية لم يكونوا مصونين من مظالم قريش، والأمر الثاني هو أن الضعفاء مثل الموالي وغيرهم كانوا في حالة من الضعف والعجز إلى درجة أنهم ما كانوا
يستطيعون حتى الهجرة. وحين وصل هؤلاء المهاجرون، المّتجهون نحو الجنوب، الشيبَة التي كانت ميناء العرب في ذلك الزمن وجدوا بفضل الله تعالى سفينًة للتجار أقلعت إلى الحبشة وقت وصولهم فركبوها بسلام وانطلقت السفينة، وحين علمت قريش مكة بهجرتهم غضبوا غضبا شديدا لخروج الصيد من أيديهم عبثا، لأنهم كانوا يتعقبونهم لكي لا يهربوا ولكن المسلمين ذهبوا، فحين وصلت قريش الميناء وراء المهاجرين كانت السفينة قد ذهبت فعادوا خائبين. َنِعم المسلمون بحياة الأمن بعد وصولهم الحبشة ونجوا من مظالم قريش بصعوبة. قال ابن إس
حاق: حين عاد أبو سلمة من الحبشة استجار بأبي طالب فمشى إليه رجال من بني مخزوم وقالوا له: يا أبا طالب، لقد منعت منا ابن أخيك محمدا (صلى الله عليه وسلم)، فما لك ولصاحبنا تمنعه منا؟ قال: إنه استجار بي، وهو ابن أختي، وإن أنا لم أمنع ابن أختي لم أمنع ابن أخي؛ فقام أبو لهب فقال لبني مخزوم: يا معشر قريش، والله لقد أكثرتم على هذا الشيخ أبي طالب، ما تزالون توَثبون عليه في جواره من بين قومه، والله لتنتهن عنه أو لنقومن معه في كل ما قام فيه، حتى يبلغ ما أراد. فقالوا: بل ننصرف عما تكره يا أبا عتبة، وكا
ن لهم وليا وناصرا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأبقوا على ذلك ولم ُيصروا على أمر أبي سلمة. فطمع فيه أبو طالب حين سمعه يقول ما يقول ويؤيده ويمنع أصحاب قبيلة أخرى، ورجا أن يقوم معه، فقال بعض الأبيات في مدح أبي لهب ورَغبه في نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنه لم يتأثر وازداد عداء. قال ابن إسحاق: عن أم َسَلمة رضي الله عنها قالت: لما أجمع أبو سلمة الخروج إلى المدينة رّحل لي بعيره، ثم حملني عليه، وجعل معي ابني سلمة بن أبي سلمة في ِحجري، ثم خرج يقود بي بعيره. فلما رأته رجال بني المغيرة
قاموا إليه فقالوا: أرأيت صاحبتنا هذه، علام نتـركك تسير بها في البلاد؟ قالت: فنزعوا خطام البعير من يده وأخذوني منه. قالت: وغضب عند ذلك بنو عبد الأسود رهط أبي َسَلمة وقالوا: هذا ابن أبي سلمة والله لا نترك ابننا عندها. انطلق بابنها بنو عبد الأسد وحبسها بنو المغيرة عندهم؛ قالت: فُفّرق بيني وبين ابني وبين زوجي. قالت: فكنت أخرج كل غداة فأجلس في الأبطح، فما أزال أبكي حتى أمسي سنة أو قريبا منها؛ حتى مّر بي رجل من بني عمي أحد بني المغيرة، فرأى ما بي فرحمني. فقال لبني المغيرة: ألا تخرجون هذه المسكي
نة؟ فَرقتم بينها وبين زوجها وبين ولدها. قالت: فقالوا لي: الحقي بزوجك ِإن شئت. قالت: فرّد بنو عبد الأسد إلّي عند ذلك ابني. قالت: فارتحلت بعيري، ثم أخذت ابني فوضعته في حْجري، ثم خرجت أريد زوجي بالمدينة وما معي أحد من خلق الله، حتى إذا كنت بالتنعيم لقيت عثمان بن طلحة بن أبي طلحة (لم يكن قد أسلم حينها، وأسلم في العام السادس من الهجرة). فقال: إلى أين يا ابنة أبي ُأمية؟ قلُت: ُأريد زوجي بالمدينة. قال: َأَوَما معك أحد؟ قلُت: ما معي أحد إلا الله وُبنّي هذا. فقال: والله ما لك من َمْتِـرك، سأذهب مع
ك، فأخذ بخطام البعير فانطلق معي؛ قالت أم سلمة: فوالله ما صحبت رجلا من العرب قُط أرى أنه كان أكرم منه. كان ِإذا بلغ المنزل أناخ بي ثم استأخر عني حتى إذا نزلت استأخر ببعيري فحَط عنه، ثم قّيده في الشجر، ثم تنَحى إلى شجرة فاضطجع تحتها. فإذا دنا الرواح قام إلى بعيري فقدمه فرَحله، ثم استأخر عني وقال: اركبي، فإذا ركبت فاستويت على بعيري أتى فأخذ بخطامه فقادني حتى ينـزل بي، فلم يزل يصنع ذلك بي حتى أقدمني المدينة. لما رأى عثمان بن أبي طلحة دياَر بني عمرو بن عوف في قباء قال لي يا أم سلمة إن زوجك أب
ا سلمة مقيم هنا فانزلي بهذه الديار على بركة الله. ثم رجع عثمان إلى مكة. لما سار النبي صلى الله عليه وسلم إلى غزوة العشيرة في العام الثاني الهجري أّمر أبا سلمة على المدينة. وكتب حضرة مرزا بشير أحمد عن غزوة العشيرة: بلغ النبَي صلى الله عليه وسلم خبٌر عن قريش مكة، فخرج من المدينة في جماعة من المهاجرين في جمادى الأولى، وجعل أخاه من الرضاعة أبا سلمة بن عبد الأسد أميًرا في غيابه. في هذه الغزوة وصل النبي بعد أن دار يمينا وشمالا إلى مكان يدعى العشيرة وذلك قريبا من مكان اسمه َيْنُبع. ومع أنه لم يق
ع أي اشتباك مع قريش في هذه المسيرة إلا أنه أبرم مع قبيلة بني ُمدلج معاهدة على نفس الشروط التي عقد بها معاهدة مع بني زمرة، ثم رجع صلى الله عليه وسلم. وكان الشروط التي تم الاتفاق عليها بين بني زمرة والمسلمين أن بني زمرة يكونون حلفاء للمسلمين ولا يساعدون أحًدا عليهم، وإذا دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم لنصر المسلمين فسينصرونهم. وعاهدهم النبي صلى الله عليه وسلم من قبل المسلمين على أنهم سيكونون أصدقاء لبني زمرة وسينصرونهم عند الحاجة. وقد ُكتبْت هذه المعاهدة كتابة ووقع عليه الطرفان. ثم ورد في
كتاب سيرة خاتم النبيين: الهزيمة التي أصيب بها المسلمون في أحد جعلت قبائل العرب أكثر جرأة على العدوان على المسلمين، فلم تمض على غزوة أحد فترة طويلة ولم يكن الصحابة قد شفوا من جروحهم بعد حتى فوجئ النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة في محرم العام الرابع الهجري بخبر مفاده أن زعيم قبيلة أسد طليحة بن خويلد وأخاه سلمة بن خويلد يقومان بتحريض أهل بلادهم على حرب النبي صلى الله عليه وسلم. فلم يلبث النبي صلى الله عليه وسلم، وكان أدرى بظروف بلده وما في مثل هذه الأخبار من خطر، أن أعّد كتيبة قوامها مائة
وخمسون صحابيا وأّمر عليهم أبا سلمة بن عبد الأسد، وأوصاهم بالرحيل السريع وبالإغارة على بني أسد لتشتيتهم قبل أن ينفذوا مكيدتهم المعادية. فخرج أبو سلمة وتقدم في صمت وبسرعة ووصل إلى بني أسد في مكان اسم قطن في وسط الجزيزة العربية، ولكن لم يحدث قتال إذ تفَرق بنو أسد هنا وهناك عندما رأوا المسلمين، ورجع أبو سلمة إلى المدينة بعد بضعة أيام. ونتيجة ما أصاب أبا سلمة في هذا السفر من عناء شديد فُسد جرحه الذي أصابه يوم أحد والذي كان مندملا في الظاهر، فظل يفسد أكثر فأكثر رغم الدواء والعلاج، حتى تسّبب في و
فاة هذا الصحابي القديم المخلص الذي كان أخا النبي صلى الله عليه بالرضاعة. فغسلوه من ماء بئر الُيَسْيَرة التي كان ملًكا لبني أمية بن زيد وكانت تقع في مكان ُيدعى بالعالية. كانت تسمى"العسرة" في الجاهلية فغّير النبي صلى الله عليه وسلم اسمها إلى الُيَسْيَرة. وُدفن أبو سلمة في المدينة. لما توفي أبو سلمة أغلق النبي صلى الله عليه وسلم عينيه المفتوحتين، ودعا له قائلا: اللهم اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديين، واخلفه في عقبه في الغابرين. واغفر لنا وله يا رب العالمين. وفي رواية: لما حانت وفاة أبي
سلمة دعا الله وقال: اللهم اجعل لأهلي خير خلف. واستجيب دعاؤه حيث تزوج النبي صلى الله عليه وسلم أرملته. وروى ابن أم سلمة أن أبا سلمة جاء أم سلمة وقال سمعت من النبي صلى الله عليه وسلم حديثا هو أحب إلي من كذا وكذا. لقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من أصابته مصيبة فقال إنا لله وإنا إليه راجعون، ورب إني أسألك ثوابا من عندك على هذا المصاب، فهْب لي بدلًا منه، وهب الله له البدل. وعن أم سلمة أنهها قالت: لما استشهد أبو سلمة قمت بهذا الدعاء، مع أني لم أكن مرتاحة البال لأسأل الله تعالى بدلًا من أ
بي سلمة. ثم قلت في نفسي من الذي يمكن أن يكون خيًرا من أبي سلمة، فقد كان متحليا بكذا وكذا من المحاسن والشيم. ثم ظللُت أردد هذا الدعاء بعد ذلك أيضا. ولما اكتملت عدة أم سلمة وصلتها من النبي صلى الله عليه وسلم رسالة يطلب فيها يدها، ثم تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم. كتب حضرة مرزا بشير أحمد في كتابه "سيرة خاتم النبيين" وهو يتحدث عن هذا الزواج: تزوج النبي صلى الله عليه وسلم أم سلمة في شوال من العام الرابع الهجري. كانت أم سلمة من بيت عريق من قريش، وكان متزوجة من قبل من أبي سلمة بن عبد الأسد الذي
كان صحابيا قديما ومخلصا حيث توفي في السنة نفسها. ولما اكتملت عدتها، أي اكتملت فترة الانتظار الذي فرضه الشرع الإسلامي على الأرملة أو المطلقة والتي لا يجوز لها الزواج قبل انتهائها، رغب سيدنا أبو بكر في الزواج منها إذ كانت امرأة ذكية ومهذبة وذات كفاءات، ولكنها رفضت طلب أبي بكر. وفي الأخير فّكر النبي صلى الله عليه وسلم في الزواج منها. وكان من دواعي ذلك، بالإضافة إلى كون أم سلمة متحلية بمزايا تجعلها جديرة بأن تكون زوجة لنبي تشريعي، أنها كانت أرملة صحابي قديم عظيم القدر، ثم كان عندها أولاد مما ي
تطلب تدبيرا خاصا لها. ثم إن أبا سلمة بن عبد الأسد كان أخا النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاعة، ومن أجل ذلك كله كان صلى الله عليه وسلم مهتما برعاية أهل أبي سلمة وأولاده. باختصار، أرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى أم سلمة طالبا منها الزواج، فترددت قليلا وقدمت بعض الأعذار بأنها قد صارت كبيرة السن وهي غير قادرة على الإنجاب، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرغب في زواجها لأسباب أخرى، فرضيت في الأخير. فصار ابنها ولي أمرها فزوجها من النبي صلى الله عليه وسلم. وكما أسلفت كانت أم سلمة سيدة عظيمة ا
لقدر والمنزلة وذكية وفطينة، كما كانت تتبوأ مكانة عالية في الإيمان، وكانت من المهاجرين إلى الحبشة في أوائل البعثة، وكانت أولى المهاجرات إلى المدينة أيضا. وكانت متعلمة ومثقفة وقد ساهمت في تعليم المسلمات وتربيتهن مساهمة كبيرة. وتوجد في كتب الحديث أحاديث وروايات كثيرة عنها، وهي في هذا المجال تحتل المكان الثاني بين أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، والثانَي عشر بين الصحابة والصحابيات كلهم. هذا ما أردت ذكره عن الصحابة. نسأل الله تعالى أن يرفع درجات الصحابة باستمرار ووفقنا لفعل الخيرات التي كان
يفعلونها. آمين. أما الآن فأود ذكر بعض من توفوا، ثم سأصلي عليهم الجنازة. وأولهم هو راجه نصير أحمد ناصر المرحوم. كان من الذين قد نذروا حياتهم لخدمة الدين. كان من الدعاة وناظر الإصلاح والإرشاد المركزي سابقا. توفي في 6 يوليو في الساعة ال11 صباحا في مركز طاهر للقلب عن عمر يناهز 80 عاما. إنا لله وإنا إليه راجعون. كان مريضا منذ عدة سنوات. ظلت صحته تتدهور منذ عام 2012 باستمرار، وصار طريح الفراش تماما قبل ثلاثة أشهر نتيجة النزيف الدماغي. ُولد المرحوم في 7 مايو عام 1938 في مدينة بهيرة بمحافظة سرجو
دها، ودرس هنالك حتى الثانوية. ثم ذهب إلى لاهور حيث عمل في وظيفة محاسب في مصلحة الري. وفي عام 1958 نذر حياته لخدمة الدين والتحق بالجامعة الإسلامية الأحمدية، ونال شهادة الشاهد عام 1965. الأحمدية دخلْت في عائلته بواسطة والده راجه غلام حيدر المحترم الذي كان بايع على يد الخليفة الثاني رضي الله عنه، ثم جعل والديه وإخوته وأخواته يبايعون. كانت أمنية والد راجه نصير أحمد أن يكون أحد أولاده واقفا لحياته لخدمة الدين، فتحقيًقا لأمنية والده ملأ راجه المرحوم استمارة وقف الحياة لخدمة الدين عام 1958، وذهب
بها إلى أخيه الأكبر المرحوم راجه نذير أحمد ظفر ليوقع عليها. فقال له أخوه فكر جيدا لأن وقف الحياة أمر صعب ويتطلب جهدا عظيما ومسؤولية كبيرة، فقال لأخيه لقد فّكرُت جيدا فأرجوك أن تَوِقع على الاستمارة، حيث كان والده قد توفي. وهكذا نذر حياته في سبيل الله تعالى، والتحق بالجامعة الإسلامية الأحمدية كما قلُت، وتخرج منها ودخل مجال العمل. بعد التخرج من الجامعة الإسلامية الأحمدية ُوِفق لخدمة الجماعة 47 عاما. خدم الجماعة في شتى أماكن باكستان كداعية ومرٍب. وفي الأيام التي كانت فيها بنغلاديش وباكستان ب
لًدا واحدا، خدم المرحوم الجماعة في باكستان الشرقية أو بنغلاديش كداعية. كما عمل كداعية للجماعة في أوغندا وزائير وإندونيسيا. وخدم في الجامعة الإسلامية الأحمدية مدرسا لعامين. ثم خدم بصفة نائب ناظر في مؤسسة صدر أنجمن أحمدية. ثم عمل بصفة ناظر الإصلاح والإرشاد المركزي عشر سنوات. كما خدم في منصب الناظر الإضافي للزواج لعامين. ثم وفقه الله للخدمة في منصب ناظر الإشاعة الإضافي عامين. ثم تقاعد في عام 2012. زوجته كانت ابنة عمه وقد توِفيت من قبل في حياته. ترك المرحوم وراءه ثلاثة أبناء، أحدهم راجه محمد
أحمد يسكن هنا في لندن، والآخر اسمه راجه عطاء المنان يعمل داعيًة في وكالة التصنيف في ربوة، وابنه الثالث، راجه محمد أكبر أيضا يسكن في لندن. كان المرحوم كثير التوكل على الله تعالى وكثير الدعاء. يقول ابنه: كان والدي يعمل داعية في بنغلاديش، وفي تلك الأثناء نشب الحريق في بعض البيوت ووصل إلى بيوت الأحمديين القريبة منها، فدعا المرحوم قائلا: يا إلهي إن مسيحك يقول إن النار خادمة لنا بل خادمة خدامنا، فاحفْظنا من هذه النار الناشبة. يقول الراوي بأن النار وصلت إلى قرب بيت أحد الأحمديين ولكن غيرت اتجاه
ها بمجَرد أن لمست زاوية منه فقط لمسة خفيفة وُحفظت بيوت الأحمديين من الضرر. عمل المرحوم داعيًة في أوغندا أيضا، وكان يذهب لتبليغ الدعوة إلى أماكن مجاورة صباحا ويعود مساء لأنه لم يكن هناك مكان للمبيت، فحدث ذات مرة أن جاءه شخص من أفراد "الجماعة الإسلامية" المودودية وحسب المرحوَم أيضا شيخا من إحدى الجماعات التبليغية، وقال له: عندي سيارة ثمنها 1400 دولار ويمكنك أن تشريها، ثم تمت الصفقة مقابل 1150 دولارا. ولكن ظروف الجماعة ما كانت تسمح بشرائها ولم تكن عند المرحوم راجه نصير أحمد أيضا نقود تكفي لشر
ائها. ولكنه مع ذلك وافق على الصفقة ودعا الله تعالى أن يهيئ له هذا المبلغ ليسُهل تبليغ الدعوة فيضع في السيارة موقدا وفراشا ويخرج لتبليغ الدعوة. على أية حال، تمت الصفقة وأعطاه البائع مهلة بضعة أيام لأداء ثمن السيارة. فيقول المرحوم أنه فتح ذات يوم صندوق بريده ووجد فيه رسالة جاءت من أخي زوجته من كندا قال فيها أنه رأى الليلة رؤيا مفادها أنك بحاجة إلى 1150 دولارا، ولا أدري السبب وراء حاجتك لها ولكنني مرسل إليك هذا المبلغ على أية حال. وكانت الرسالة مصحوبة بشيك قدره 1150 دولارا، هذا وهناك أحداث كث
يرة تدل على استجابة أدعية المرحوم. يقول ابنه أن المرحوم كان مولعا بشدة بتلاوة القرآن، فكان يتلوه في أثناء أسفاره أيضا سواء بّرا أو بحرا أو جًوا. وقد أتَم تلاوة القرآن الكريم كاملا بّرا مرارا وبحرا. أما جوا ، فأتم ما استطاع من التلاوة اذ لم يكن السفر طولا لذلك يقول ابنه السيد عطاء المنان الذي يعمل داعيًة في وكالة التصنيف في ربوة: كان أبونا ينصحنا دائما بأمرين: لا تشركوا بالله شيئا أبدا، وكونوا على صلة متينة بالخلافة دائما. وقد جعل المرحوم هذين الأمرين محور حياته أيضا. كان يحترم والديه كث
يرا، فتقول أخته أنه كان يطيع والدته كثيرا إلى درجة أنها لو قالت له شيئا واحدا أكثر من مرة لسمعه كل مرة كما لو أنه يسمعه لأول مرة ولم يقل لها قط أنك قلِت لي هذا من قبل. تقول زوجة ابنه واقف الحياة: في الأعوام الثمانية عشر الماضية لم أجرب من هذا البيت وخاصة من حمي وحماتي إلا الحب والُوّد. كان المرحوم يقول لوالدتي: سأجعل ابنتك تنسى بيت والديها، فقالت: أّنى للبنات أن ينسين أبويهن؟ فقال: إذا تعامل الأحماء معهن مثل والديهن فينسين أبويهن. باختصار، لقد عامل زوجات أبنائه دائما بكثير من الحب والُود.
كان حميي يحب الله ورسوله والمسيح الموعود عليه السلام والخلفاء كثيرا، كما كان يحب القرآن الكريم وخليفة الوقت ويطيعه طاعة كاملة. لقد وجدته يفهم الأمور بدقة ويملك رأيا سديدا وحليما جدا. وكان من عاداته أن ُيتم تلاوة القرآن الكريم كاملا كل شهر. يقول بعض أقاربه أيضا أننا رأينا كيف كان الله تعالى يسد حاجاته ويجيب أدعيته بصورة غير عادية. أقول: كان المرحوم داعية ناجحا ويملك موهلات إدارية كبيرة كانت علاقته مع الخلفاء مضرب المثل حتى يمكن القول أنه كان يطيع الخليفة كما تطيع حركُة النبض حركَة القلب.
أقول: عندما عّينني الخليفُة الرابُع رحمه الله ناظرا أعلى لاحظُت أنه كان يطيعني كثيرا واضعا في الحسبان أن الخليفة عّيني على هذا المنصب وأنا أمّثله لذا كان يرى طاعتي واجبة. باختصار، كان مستوى طاعته عاليا جدا بحيث قَل أن يوجد نظيرها في العالم. ندعو الله تعالى أن يغفر له ويوفق أولاده أيضا للاستمرار في حسناته ومزاياه الحسنة. كان المرحوم يملك صفات حسنة كثيرة، منها الاهتمام بالفقراء والاهتمام بالدعاة الذين عملوا معه وتلبية حاجاتهم، كما كتب إلي كثير منهم. ثم هناك جنازة شهيدين، علما أنهما لم ُيستشهد
ا بسبب انتمائهما إلى الأحمدية. لقد هاجم محلهما النهاُب وأطلقوا عليهما الرصاص وأردوهما شهيدين. أحدهما اسمه الشهيد مبين أحمد بن محبوب أحمد، والثاني اسمه الشهيد محمد ظفر الله بن لياقت علي. ففي تاريخ 7/7/2018م قرب الساعة الثالثة بعد الظهر، وفي منطقة "مفرق ويتا" وهي منطقة صناعية في كراتشي، أطلق النهاب الرصاص على ثلاثة شباب هم: مبين أحمد بن محبوب أحمد، ومحمد ظفر الله، ومحمد نصر الله واستشهد مبين أحمد ومحمد ظفر الله في الحال، إنا لله وإنا إليه راجعون. كانا يديران محلا للأدوات الالكترونية، وقد أط
لق النهاب الرصاص عند السطو على المحل وحين قاومهم الشهيدان. لقد دخلت الأحمدية في عائلة مبين أحمد بن محبوب أحمد بواسطة والد جده "شودهري إله داد" الذي بايع عن طريق أخيه الأكبر السيد عبد العزيز الذي كان يعمل مَساحا للأراضي. بعد البيعة عارضه أبناؤه وحددوا له موضعا معينا في البيت وفصلوا آنيته ليأكل ويشرب فيها. ولكنه تحمل المعارضة بصبر كبير. كان جد المرحوم، السيد علي محمد أيضا يعارض الجماعة بشدة ومن مريدي المولوي عطاء الله شاه البخاري الذي قال عند تأسيس باكستان كلمات نابية جدا بحق مؤسسها "القائد
الأعظم" وسماه "الكافر الأعظم". وكان عطاء الله شاه البخاري يعارض "مسلم ليغ" لذا انفصل علي محمد عنه. ثم ُقِسمت القارة الهندية إلى الهند وباكستان، وهاجرت الجماعة إلى لاهور، فرأى علي محمد نبوءات المسيح الموعود عليه السلام تتحقق ومال إلى الجماعة. بعد تأسيس باكستان انتقلت هذه العائلة إلى مدينة نواب شاه. عندما زار سيدنا المصلح الموعود رضي الله عنه مناطق السند ورآه جد المرحوم في محطة القطار قال فورا بالنظر إلى وجهه الكريم: هذا الوجه ليس وجه كاذب، فايع وانضم إلى الجماعة. كان الشهيد مبين أحمد طالبا
في البكالوريوس وبالغا من العمر 20 عاما. كان شابا ذا أخلاق فاضلة وحليما وجاد الطبع وملتزما بالصلوات الخمس، يعامل الجميع في العائلة بالحب، وسباقا في نشاطات الجماعة، وكان عضوا نشيطا في مجلس خدام الأحمدية. وإذا اقتضي الأمر أن يترك شغله من أجل عمل الجماعة فما كان لا يبالي بشغله. كان المرحوم قد كتب وصيته وُأعطي رقم الملف أيضا، وسوف ُتقبل وصيته رسميا أيضا بإذن الله. كان على علاقة صداقة قوية مع أهل الحارة وقد أثنى عليه كل من جاء لعزائه صغيرا كان أم كبيرا كان الشهيد ابن عمة الشهيد محمد ظفر الله
الذي اسُتشهد في الحادث نفسه. ترك الشهيد وراءه والده المحترم محبوب أحمد، والدته أمة الحفيظ بيغم وأختين هما: مبينة محبوب بعمر 23 عاما، وكنـزه محبوب بعمر 16 عاما، وأًخا هو أمين أحمد بعمر 13 عاما. الشهيد الثاني الذي سنصلي عليه الجنازة هو محمد ظفر الله بن لياقت علي الذي تلقى ثلاث رصاصات في الحادث وأصيبت رئتاه بجروج بالغة. ثم ُأجريت له عملية جراحية بنجاح ولكن ساءت حالته بعد ذلك حتى قرر الأطباء إجراء عملية أخرى ولكنه لفظ أنفاسه في ليلة سبقت العملية المزمعة، إنا لله وإنا إليه راجعون. دخلت الجماعة
إلى عائلة المرحوم بواسطة والد جده السيد غلام دين الذي كان من سكان محافظة غورداسبور ويعمل في مزرعة السيد عبد العزيز مَساح الأراضي الذي كان من صحابة المسيح الموعود عليه السلام. فذهب معه ذات يوم إلى قاديان وبايع بعد اللقاء مع المسيح الموعود عليه السلام. ُولد الشهيد محمد ظفر الله في كراتشي في أكتوبر 1993م. كان شابا بشوشا ودمث الأخلاق، كانت الابتسامة تعلو وجهه دائما. كان سباقا في خدمة الجماعة ويقوم بأعمال مجلس خدام الأحمدية بشتى الطرق. كان مشتركا في نظام الوصية، وكان عند شهادته بالغا من العمر
35 عاما. وترك وراءه والده السيد لياقت علي ووالدته السيدة نصيرة بيغم وخمسة إخوة هم: وجاهت أحمد بعمر 33 عاما، ومنصور أحمد 31 عاما، مستنصر أحمد 28 عاما، وشجاع أحمد 27 عاما والحافظ محمد نصر الله 24 عاما. وقد أصيب أخو الشهيِد الحافُظ نصُر الله أيضا بجروح في الحادث وقد أجريت له عملية جراحية ويتلقى العلاج حاليا في المستشفى. ندعو الله تعالى أن يشفيه شفاء كاملا عاجلا ويرفع درجات المرحومين ويلهم ذويهم الصبر والسلوان.

Comments