أحقاً يوجد ما يُسمى بالحب من أول نظرة؟ ما هو الحب الحقيقي؟ الكثير منا كبُر على قراءة الروايات الخيالية المليئة بالأحداث الساحرة والنهايات السعيدة. ولكن كُتبَ لهذه الأمور أن تتحقق لك في هذه الحياة؟ و إن لم تحظى بعلاقة من هذا النوع هنا، فما معنى هذا بالنسبة لقدرك الإلهي؟ هل هناك ما يسمى بتوأم الروح في الإسلام؟ هل تذكر حديث النبي صلى الله عليه و سلم حينما قال: {الأرواح جنودٌ مُجنَّدة}؟ إن الأرواح كما لو أنها كانت جنود تم تجنيدها؟ في الحقيقة، هناك قصة جميلة وراءه. عائشة رضي الله عنها قالت: كان هناك
امرأة في مكة تُضحِك الناس أي أنها كانت مزَّاحة في اللقاءات. و عندما هاجروا من مكة إلى المدينة، وجدت امرأة في المدينة مثلها تماماً، تُضحِك الناس في المدينة. ويتعجب الناس لوجه الشبه بينهما. و عندما ذكروا ذلك عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: {الأرواحُ جنودٌ مجندة} الأرواح جنودٌ مجندة تميل لبعضها، بتآلفها. فهل هناك
ما يُحاكي هذا من الناحية الرومانسية؟ حسناً، هناك عالِمٌ قال لزوجته مرة "أليس من المثير للدهشة أنه قبل 50,000 سنة" وقبل أن يخلق الله السماوات والأرض كان قد قدّر اسمكِ بجانب اسمي؟ {وَ
مِنْ آياتِه أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجَاً لِتَسكُنوا إِلَيْها و جَعَل بَيْنَكُم مَوَدَّةً وَرَحْمَة إِنَّ في ذلك لَآياتٍ لقَومٍ يتَفَكَّرون} ومن آيات الله أنه خلق لكم أزواجاً من أنفسكم، لتكونوا معها في سكينة. و خلق بينكم مودة ورحمة. و في ذلك آيات وإشارات
للذين يتفكرون قد تشعر عندما تلتقي بشخص ما وكأنه الشخص الذي خُلق لك. فالحب يبدأ بطرق مختلفة و له درجات مختلفة. فبالتأكيد أنه من الممكن أن يبدأ بشرارةً عفوية. قال الإمام ابن حزم رحمه الله الحب أوله هزلٌ وآخره جد أن الحب يبدأ كلَ
هْو ويصبح أمراً جدياً و يقول ابن حزم أن معانيه يعجز عنها الوصف و أنه لا تُفهَم حقيقته إلا بالمعاناة و يقول أن الحب ليس منكراً في الدين، و لا مُحرَّماً لأن القلوب بيد الله. إذاً الحب نفسه ابتلاء و ليس لك التحكم فيه تماماً خصوصاً في جزئية الوقوع في الحب. فهو شيءٌ يقدره الله سبحانه وتعالى في قلبك وما دمت لا تتخطى الحدود وتسعى إليه بالحلال، فبإمكانك التمتع بهذا القدَر من خلال قدسية الزواج. {إنَّ في ذَلك لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفكرون} ففي ذلك آيات للذين يعقلون ويتفكرون ويذكر العلماء أن هناك آيات لأسماء
الله وصفاته لا تتجلى في أي مكان في العالم، كتجليها بين الأزواج. هناك آيات ليس لها مثيل لحب الله فهو الودود، كثير الود. وآيات ليس لها مثيل
في رحمة الله فهو الرحمن، تلك الرحمة التي تظهر في نطاق الزواج أيضاً. عندما ننظر إلى سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم نجد قصص حب عديدة بعضها جميلة وأخرى مأساوية و بعضها معقدة. فمثلاً قصة مهاجر أم قيس هذا الرجل الذي هاجر من مكة إلى المدينة، ليس حباً في الله ولا هرباً من الاضطهاد، بل لأنه أراد أن يتزوج بامرأة فأصبح هذا اسمه حرفياً الرجل الذي هاجر من أجل أم قيس ست
لاحظ الآن أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يلمه على ذلك، بل أخبر ببساطة أنه لن يحصل على ثواب الهجرة إن فعل ذلك في سبيل الزواج. و هناك قصص أخرى كقصة بريرة رضي الله عنها أعتقتها عائشة رضي الله عنها وعندما أصبحت حرة أرادت أن تحرر نفسها من زوجها، مغيث رضي الله عنه تخيل ذلك المشهد في المدينة لمغيث وهو يسعى وراء بريرة يترجاها ألا تتركه. كان ذلك مؤلماً للناس أن يشهدوه، حتى أن الرسول صلى الله عليه وسلم برحمته، رأف لحال مغيث وقال لعمه عباس: {ألا تَعجَبُ مِن حُبِّ مغيث بريرة و مِنْ بُغْضِ بَريرة مغيثاً}؟ و
رأف صلى الله عليه وسلم لحاله فقال لبريرة: {لو راجعتِه؟ فإنه زوجك و أبو ولدك} فتقول بريرة : يا رسول الله تأمرني؟ أم تشفع؟ قال صلى الله عليه وسلم: {إنما أنا أشفع} قالت: لا حاجة لي فيه. النبي صلى الله عليه وسلم كان متعاطفاً مع مغيث، و لكنه لم يرد إجبارهما أن يكونا معاً فقط لأن مغيث أحبها كثيراً. كان مغيث يعاني من انكسار قلبه و الحل له أن يتخطى الأمر لأنه لم يكن مُقدَّراً له. كما أن الحب معلق برغبتك، فهو كذلك معلق بقَدَرِك. قصة حبك كتبها الله قبل مجيئكما إلى هذا العالم. قدّر الله حبكما، و قدّر السبل
إليه. يورد الإمام ابن حزم رحمه الله 15 سبباً للوقوع في الحب. يتحدث عن صفات الجمال والطباع والخُلق والثروة والأهل وأمور أخرى كثيرة. ثم يقول أن الحب الأنبل هو، محبة المتحابين في الله،
الحب في الله و يقول بالتحديد، باجتهادٍ في العمل
لأنه نفس الشغف في عمل خيرٍ كلاهما يعمل فيه. وقال صلى الله عليه وسلم {لمْ يُرَ لِلْمُتَحابِّينَ مِثْل النِّكاحْ} لا أعلم بأفضل للمتحابين
إلا الزواج. و قال أيضاً أن الناس يتزوجون لأسباب مختلفة، و لكن ابحث عن الخُلُق والدين. فتلك مظاهر الجمال الغير ملموسة التي تربط الزوجي
ن ببعضهما للأبد. هذا لا يعني أن العوامل الأخرى غير مهمة أو ليست جزءاً من الحب و لكنها لا تُكَوِّنُ أساساً قوياً. قال المغيرة بن شعبة رضي الله عنه:
خطبت امرأة فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: {هلْ نَظَرْتَ إِلَيْها؟} هل نظرت إليها؟ قلت: لا، قال: {فَانْظُر ْإِليْها فَإنَّه أَحْرى أَنْ يُؤدَمَ بَيْنَكُما} اذهب فانظر إليها فمن الأفضل أن
أن يؤلف بينكما. ومع قول كل هذا، يمكن لشخصين أن يظهرا على أنهما متوافقين تماماً و لديهما نفس الشغف و يريدان عمل كل شيء بطريقة صحيحة و لكن لسببٍ ما
لم يُرد الله سبحان
ه و تعالى أن يحدث هذا في الدنيا. و التعلق بشخص، أو التعلق بالفكرة، يمكن أن يصبح مسقماً أو مُعجزاً. الحب كالرزق، لن ينعم به كل من في الدنيا. و علينا أن نرضى بقدر الله، و إن كان هذا يعني أنه عليَّ
أن أنتظر زوجي في الجنة، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: {لَيْسَ فِي الجَنَّةِ أَعْزَب} لن يكون في الجنة أعزب. فإن لم يُقدر لك هذا في الدنيا، فلا يعني ذلك أنك أقل قيمة. آسيا عليها السلام، امرأة كاملة تزوجت أسوأ من مشى على الأرض من البشر، فرعون. مريم عليها السلام
أعظم امرأة في التاريخ، لم تتزوج أبداً. ه
ناك العديد من علماء الأمة، رواد هذه الأمة، و لم يتزوجوا أبداً. و استخدموا وقتهم وتركيزهم ليكونوا أساطير عصرهم. في الحقيقة، الشيخ عبد الفتاح أبو غدة، رحمه الله كتب كتاباً رائعاً بعنوان العلماء العزاب الذين آثروا العلم على الزواج العلماء العزاب الذين آثروا
العلم على الزواج و أورد قائمة ب 20 من علماء التاريخ الإسلامي الذين لم يتزوجوا أبداً، كأمثال الإمام الطبري، رحمه الله
الإمام النووي، رحمه الله ابن تيمية، الزمخشري أو حتى رابعة العدوية الشهيرة رضي الله عنهم جميعاً. هؤلاء العلماء لم يتفادوا الزواج
عمداً و لكنهم أدركوا أن الله سبحانه و تعالى لم يقدَّره لهم. و قال الكثير من العلماء أنهم ربما أنجزوا تلك الانجازات لأنهم لم يكن لديهم عائلات. أَورثوا تلك الكتب كأبنائهم. فانظر لأثر ذلك. جميع طلابهم أصبحوا متصلين بهم برابطة العلم المقدسة. لا يعني ذلك أنه إما العلم أو الزواج، أو إما العبادة أو الزواج، أو إما الصدقة أو الزواج، أو إما التطوع أو الزواج. هذا يعني أنه كأي شكل من أشكال الرزق، إن أخّره الله سبحانه و تعالى أو منعه، فما زال يفتح لك مجالاً لأشكال أخرى لعبادة الله سبحانه و تعالى، و فصول أخرى
في قصتك العجيبة المقدرة بقدرٍ إلهي. و ربما يكون توأم الروح هذا ما زال في هذا العالم. عندما لم يستطع أبو هريرة رضي الله عنه الزواج بسبب الفقر. جاء إلى النبي صلى الله عليه و سلم يشكو فسكت النبي صلى الله عليه و سلم، وأعاد شكواه ثلاث مرات. فقال النبي صلى الله عليه و سلم: {يَا أبا هُرَيْرَة، جَفَّ القَلَمُ بِما أنْتَ لَاقٍ} يا أبا هريرة جف القلم بما
ستجد و لاحقاً فتح الله سبحانه و تعالى هذا الطريق لأبي هريرة، و لكن بعد سنين مضت، في وقته. إذاً متى وقتنا؟ الله وحده يعلم. سبحان الله، أحد الروايات ذكرت
أن النبي عيسى عليه السلام. سوف يتزوج، عندما يبعث مرة أخرى في الأرض. فيكون الأمر قد أخذ آلاف السنين قبل أن يجد زوجه في هذه الحياة. أين زوجك؟ هنا أم هناك؟ لا تعلم. و لكن اعلم أن الودود لم ينساك. اللطيف يقدر الأفضل لك. من ظن انفكاك لطفه عن قدره فذلك لقصور نظره. من ظن أن لطف الله سبحانه منفصل عن قدره إنما يظنه لقصر نظره. أحياناً نصعب الأمر على أنفسنا، عندما نترك لأنفسنا العنان لتخيل حياة قد تكون أو لا تكون حقيقية. و لكننا نبدأ ببناء ارتباط عاطفي بهذه الفكرة في عقولنا. و ملء عقولنا بأحلام لا متناهية
سيجعل سقوطنا أصعب بكثير عندما يكشف لنا القدر نفسه، بما لم نكن نتمنى. لا تسير الأمور دوماً كما تخيلنا لأنفسنا. ربما يصبو قلبنا لشيء أو لشخص، لم يُكتب لنا. ربما كُتِب أن يكونوا جزءاً من قصتك، و لكن ربما ليس كما تمنيت. كتب الله سبحانه وتعالى لك المزيد في مستقبلك مما لم تكن لتتوقعه. ترجمة:
استشهاد موسى {قُلْ لَنْ يُصيبَنا إِلَّا مَا كَتَبَ اللهُ لَنا هُوَ مَوْلانَا وَ على اللهِ فَلْيَتَوكَّلِ المُؤْمِنُون}
Comments